التعريف بخالد بن سنان العبسي
هو خالد بن سنان بن غيث بن قريطة بن مخزوم بن مالك بن غالب ابن قطيعة بن عبس ، عاش قبل الإسلام، في زمن الفترة، وذكر السخاوي أنه عمَّر مائتين وثلاثين عاما. وتوفي خمس سنوات قبل عام الفيل، ذكر هذا الشيخ البوعناني المطماطي في مؤلفه تنوير البصائر والأبصار في تحريض سلطان الجزائرعلى قتال الكفار. وذكره هشام بن الكلبي، وقال: "إنه أطفأ نار الحدثان وفيه حديث" وفي موضع آخر يقال "إنه نبي ضيعة قومه".
نشأته ومعجزته
نشأ خالد بن سنان وعاش في قومه في بلاد عبس، وعرف بين قومه وعشيرته بالصدق في القول والصلاح في العمل، ويعده جماعة من علماء السلف من الحنفاء الذين لم يسجدوا لصنم قط (المسعودي في مروجه) وكان في زمانه نار تخرج من شق جبل، وتسمى بنار الحرتين، حرة النار، التي وجدت في بلاد عبس كما ذكر البكري، وحرة ليلى التي كانت في بلاد ذبيان، وقد افتتن بتلك النار بعض العرب فعبدوها تشبهاً بالمجوس فعمد خالد بن سنان إلى إطفاءها، وأخذ من كل بطن من عبس رجلاً، ثم خرج بهم إليها ومعه درة1 حتى وصل إلى طرف النار وجعل يضربه بالدرة ويقول: "بدا بدا كل هدا لله تودى أنا عبد الله خالد ابن سنان" وقد سار مع اللهب حتى وصل إلى قليب، فانساب اللهب فيها. ويروى أن تلك النار كانت ترى من مسيرة ثلاث أيام، وكان يخرج منها دخان يفور، وقد ذكرها أحد الشعراء في قوله:
ونار الحرتين لها زفير- يصم لهوله الرجل السميع.
ما جاء في نبوته
لقد اختلف العلماء في نبوة خالد بن سنان كاختلافهم في نبوة الخضر ولقمان عليهما السلام، غير أن الكثير منهم قال بنبوته استنادا على ما ورد بشأنه في قوله صلى الله عليه وسلم " ذاك نبي ضيعه قومه". هذا الحديث أورده محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي في زاد المعاد (الجزء الثالث) و ابن سيد الناس في عيون الأثر (الجزء الثاني) في قصة قدوم وفد بني عبس؛ فذكرا : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بن عبس ،
الله ، قدم علينا قرؤانا ، فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له، ولنا أموال ومواش، وهي معاشنا، فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له فلا خير في أموالنا، بعناها وهاجرنا من آخرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الله حيث كنتم ، فلن يلتكم من أعمالهم شيئاً ". وسألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن خالد بن سنان، هل له عقب ؟ فأخبروه أنه لا عقب له، وأنه كانت له إبنة فانقرضت. وأنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عن خالد بن سنان، فقال: "نبي ضيعه قومه".
وجاء في السيرة النبوية للإمام ابن كثير (المجلد الأول )، قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: "حدثنا أحمد بن زهير التستري، حدثنا يحيي بن المعلى بن منصور الرازي، حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا قيس بن الربيع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبي صلي الله عليه و سلم فبسط لها ثوبه وقال: بنت نبي ضيعه قومه". وقد رواه الحافظ أبو بكر البزاز عن يحيي بن المعلى بن منصور، عن محمد بن الصلت، عن قيس، عن سالم، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: ذُكر خالد بن سنان عند رسول الله صلي الله عليه و سلم فقال: "ذاك نبي ضيعه قومه". ثم قال: و لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وكان قيس بن الربيع ثقة في نفسه إلا أنه كان رديء الحفظ، وكان له إبن يدخل في أحاديثه ما ليس منها. و الله أعلم. قال البزاز: وقد رواه الثوري عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير مرسلا.
هذا "ولقد أثبت له النبوة كثير من علماء المسلمين، نذكر في مقدمتهم ابا عبيدة معمر بن المتى الذي يقول عنه الجاحظ أنه لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلم منه، حيث يذكر في كتابه الارجاء والجماجم أنه لم يبعث الله في بني اسماعيل نبيا غير خالد بن سنان قبل محمد عليه السلام"1. وكذلك ابن عربي الذي خصه بفصل كبقية الأنبياء في كتابه فصوص الحكم وقال : وأما حكمة خالد بن سنان فانه أظهر بدعواه النبوة البرزخية . وكذلك العلامة الدسوقي في حاشيته على المختصر يقول مرجحا نبوة خالد : وأما خالد بن سنان فكان نبيا غير رسول بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى أن مجموع المفسرين مثل الزمخشري والقرطبي والرازي والخازن والبيضاوي، أثبتوا لخالد بن سنان النبوة عند ما تطرقوا الى عصره دون أن يعلقوا عليها بكلمة واحدة.
دخوله الى المغرب
يرى الأستاذ والمؤرخ الجزائري الكبير عبد الرحمان الجيلالي أن خالد بن سنان العبسي دخل شمال أفريقيا قادما إليها من جزيرة العرب مع الجاليات العربية التي لم تنقطع عبر الأزمنة من الوفود إلى أفريقيا فيقول في كتابه تاريخ الجزائر العام : " وقد يكون الضريح الموجود إلى اليوم بالجنوب الغربي من بسكرة المنسوب إلى خالد بن سنان العبسي هو لأحد أعضاء هذه الجاليات العربية القديمة التي ارتادت هذه الأوطان ". ولا يمكن بأي حال من الأحوال استغراب وفود خالد بن سنان العبسي رفقة إحدى هذه الموجات البشرية، "إذ أكد غير واحد من المؤرخين أن هذا الشمال الأفريقي كان منذ أقدم العصور والأزمنة محط رحال الوافدين عليه من جزيرة العرب وذلك خلال الهجرات الكثيرة التي كانت تتم عبر برزخ السويس شمالا وباب المندب جنوبا وبناء على ذلك يتأكد لدينا اتصال العرب عبر التاريخ قديما بهذه الأوطان وقد نقل عن ابن الكلبي أن حمير بالقبائل اليمنية ملك المغرب مائة سنة وأن قبيلتي صنهاجة وكتامة من حمير"1.
وتجدر الإشارة في هذا السياق نفسه، ما عقب به ابن أبي دينار في المؤنس، على ما نقل عن اسحاق بن أبي عبد الملك الملوشي عندما قال أنه"لم يدخل أفريقيا نبي قط" ، بقوله: " وقال غيره بل دخلها نبي الله خالد بن سنان العبسي وكان في زمن الفترة" . إلا أنه يذكر(ابن أبي دينار) في موضع آخر أن خالد بن سنان لم يدخل أفريقيا بدعوة.
مكان قـبـره
يقول الرحالة العياشي عن قبر خالد : "وقد سمعت أنه - ويقصد الشيخ عبد الرحمان الأخضري- هو الذي أظهر القبر الذي في بلاد الزاب المنسوب لنبي الله خالد بن سنان عليه السلام، وهذا القبر الآن من المزارات الشهيرة في تلك البلاد، تقصده الأركاب لزيارته من نواحي افريقيا كلها، واشتهر أمره عند العام والخاص والبدو والحضر وعليه مسجد عظيم وحوله مدرسة".ويزيد الرحالة العياشي فيقول في رحلته " فإن كان اطلع على ذلك من كشف فيسلم له، فإنه أهل لذلك".
كما يذكر المؤرخ ابن أبي دينار قائلا " والشيخ التواتي ممن أثبته أنه هو، ورأيت بخط والدي رحمة الله عليه، - والكلام دائما لإبن أبي دينار - قال حضرت الشيخ المذكور - أي التواتي- وهو متجه لزيارة نبي الله خالد بن سنان العبسي، وله كتاب صنفه الشيخ وثبت عنده صحته وهو في تلك البلاد يسمونه خالد النبي ويزورونه ويتبركون بمقامه".
وفي ختام هذا الفصل أنقل ما ذكره صلاح مؤيد العقبي في كتابه أضواء على حياة خالد بن سنان العبسي فيقول : وأخيرا لست أدري لماذا يستبعد البعض مدفن خالد بن سنان حيث هو الآن، أو يستبعدون دخوله بلاد المغرب رغم أقوال المؤرخين والرحالين الذين أثبتوا ذلك وأكدوه وكلهم من الثقات المحققين ورحم الله حجة الإسلام الامام محمد الغزالي حيث يقول في كتابه الاقتصاد : مالا برهان على إحالته لا ينبغي إنكاره بمجرد الإستبعاد.