حيزية
لا يكاد يذكر اسم حيزية إلا وذكر اسم الشاعر محمد بن الصغير بن قيطون، (1844 - 1907م) ورغم أن لهذا الأخير صولات وجولات في الشعر الشعبي ، ابتداء من المديح النبوي والرثاء والغزل وفي النقائض، إلا أن مرثيته التي تفننت في وصف الظاهرة حيزية هي التي لاقت شهرة أقل ما يقال عنها أنها عالمية. حيزية بنت أحمد بن الباي من عائلة الذواودة من بني هلال الذين قدموا إلى شمال أفريقيا في غضون القرن الحادي عشر ميلادي، ولدت سنة 1855 م وتوفيت سنة 1878 عن عمر يناهز ثلاثة وعشرين سنة. وتكشف قصتها عن الحب العذري المتبادل بينها وبين ابن عمها اسعيد واللذان لم يستطيعا أن يظهراه نظرا لتقاليد المجتمع المجبولة على الحياء والحشمة. ولم يدم هذا التكتم طويلا، خاصة بعد أن ظلت ترفض كل من تقدم لخطبتها من الأزواج الذين تزايدوا في مهرها، وباحت بسرها، ربما لأقرب الناس إليها بالفطرة وهي أمها، وقد أذعن المجتمع القبلي في ذلك الوقت إلى رغبة ذينك الشابين وتم تزويجهما وأقيمت الأفراح والولائم. ولم يمض على زواجهما سوى أياما قلائل، حتى كانت حيزية ترى فيما يرى النائم أنها تبتعد عن زوجها سعيد وأن إرادة قوية تفرقهما عن بعضهما البعض، وكانت كلما تحدثه بهذه الرؤيا، إلا ويجيبها أن لا شيء يمكنه أن يفرق بينهما إلا الموت. ولم ينقضي شهر وبضع أيام من الزواج حتى تسلم حيزية روحها إلى بارئها وتفارق دنيا الأحياء في منطقة واد تل لأسباب هي إلى اليوم تضل مبهمة وغير معروفة. سعيد لم يستطع أن يتحمل صدمة موتها وأصيب بنوع من التيه والخبال. وتعطي رواية أخرى، بعدا سياسيا للقصة، وتتحدث عن أن حيزية سميت في صغرها لإبن عمها سعيد، أي تم خطبتها له وهما صغيران يلعبان، وهي عادة أعتقد أنها منتشرة في كثير من الأرياف الجزائرية، وقد تعلقا ببعضيهما منذ الطفولة تعلقا عجيبا ونما هذا الحب إلى أن يفعا. إلا أن الأقدار ساقت إلى حيزية خطيبا آخرا من علية القوم، هو ابن لعائلة بن قانة التي كانت تتشيخ المنطقة في ذلك الحين. وتكتمل فصول القصة بأن تقوم حيزية بالانتحار عن طريق شرب السم، تخوفا من أن تزف زوجة إلى غير ابن عمها سعيد. هذا ومهما حدث، فإن المحزون اسعيد، بعد أن استرجع بعضا من عافيته، نفس عن بعض الحزن الذي اعتراه لفقد حبه المدفون حيزية، وقص للشاعر الشعبي بن قيطون قصته الحزينة، وطلب منه نظم الشعر فيها. ويصف الأستاذ عبد الحميد بورايو قصيدة حيزية للشاعر بن قيطون بـ"طلسم الخلود"، في حين اعتبرها النقاد كأعظم وأروع قصة حب حقيقية في الجزائر والمنطقة المغاربية. ولقد تغنى بالقصيدة عدة مطربين كبار مثل خليفي أحمد و رابح درياسة و عبد الحميد عبابسة والبار عمر. أما في مجال الإنتاج السمعي البصري، فقد أنتج التلفزيون الجزائري فيلما من إخراج محمد حازورلي، يروي قصتها بشكل درامي ومؤثر.